فصل: ومن باب الوصال:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الشهادة على هلال شهر شوال:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد بن العوام، عَن أبي مالك الأشجعي حدثنا الحسين بن الحارث الجَدَلي جديلة قيس. أن أمير مكة خطب ثم قال عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك لرؤيته فإن لم نره وشهد شاهد عدل نسكنا بشهادتهما قال فسألت الحسين بن الحارث من أمير مكة، فقال الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب ثم قال الأمير إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني وشهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأومأ بيده إلى رجل قال الحسين، فقلت لشيخ إلى جنبي من هذا الذي أومأ إليه الأمير، قال هذا عبد الله بن عمر وصدق كان أعلم بالله منه فقال بذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: لا أعلم اختلافا في أن شهادة الرجلين العدلين مقبولة في رؤية هلال شوال وإنما اختلفوا في شهادة رجل واحد، فقال أكثر العلماء لا يقبل فيه أقل من شاهدين عدلين.
وقد روي عن عمر بن الخطاب من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه أجاز شهادة رجل واحد في أضحى أو فطر، ومال إلى هذا القول بعض أهل الحديث وزعم أن باب رؤية الهلال باب الإخبار فلا يجري مجرى الشهادات ألا ترى أن شهادة الواحد مقبولة في رؤية هلال شهر رمضان فكذلك يجب أن تكون مقبولة في هلال شهر شوال.
قلت: لو كان ذلك من باب الإخبار لجاز فيه أن يقول أخبرني فلان أنه رأى الهلال فلما لم يجز ذلك على الحكاية عن غيره علم أنه ليس من باب الإخبار والدليل على صحة ذلك أنه يقول أشهد أني رأيت الهلال كما يقول ذلك في سائر الشهادات ولكن بعض الفقهاء ذهب في أن رؤية هلال رمضان خصوصا من باب الإخبار وذلك لأن الواحد العدل فيه كاف عند جماعة من العلماء واحتج بخبر ابن عمر أنه قال: «أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رأيت الهلال فأمر الناس بالصيام».
قلت: ومن ذهب إلى هذا الوجه أجاز فيه المرأة والعبد.
قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي وإنا لحديثه أتقن قالا: حَدَّثنا مروان وهو ابن محمد عن عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم، عَن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: «ترايا الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه».
قلت: فيه بيان أن شهادة الواحد العدل في رؤية هلال شهر رمضان مقبولة وإليه ذهب الشافعي في أحد قوليه وهو قول أحمد بن حنبل.
وكان أبو حنيفة وأبو يوسف يجيزان على هلال شهر رمضان شهادة الرجل الواحد العدل وإن كان عبدا، وكذلك المرأة الواحدة وإن كانت أمة ولا يجيزان في هلال الفطر إلاّ رجلين أو رجلا وامرأتين. وكان الشافعي لا يجيز في ذلك شهادة النساء، وكان مالك والأوزاعي وإسحاق بن راهويه يقولون لا يقبل على هلال شهر رمضان ولا على هلال الفطر أقل من شاهدين عدلين.
وفي قول ابن عمر ترايا الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته وقبوله في ذلك قوله وحده دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد وأنه لا فرق بين أن يكون المخبر بذلك منفردا عن الناس وحده وبين أن يكون مع جماعة من الناس فلا يشاركه أصحابه في ذلك.
وقال بعض أهل العراق إذا ترايا الناس الهلال وكان صحوًا فقال واحد منهم قد رأيته لم أقبله قال وهذا مثل أن يكون جماعة قد حضروا الإمام يوم الجمعة فأخبر واحد منهم أنه خطب موليا وجهه عن القبلة ولم يصدقه على ذلك الجماعة الحضور فإنه لا يقبل.
قلت: وهذا مخالف لما شبهوه به لأن مثل تلك الحال لا يخفى على ذي بصر. والحاد البصر والكليل يستويان في ذلك. وأما الهلال فقد يزل عن بعض أبصار الناس لدقته وضؤلة شخصه ويتجلى لمن كان أحد بصرا وأجود استدراكا. ولو أن جماعة حضروا في محفل فشهد عدلان منهم على رجل من جماعتهم أنه قام فيهم فطلق امرأته وأنكره الباقون كان القول قولهما دون قول من أنكر وإن كانوا كلهم ذوي آذان سميعة وإحساس سليم فكذلك هذا لا فرق بين الأمرين.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن بكار بن الريان حدثنا الوليد، يَعني ابن ثور قال: وحدثنا الحسن بن علي حدثنا حسين عن زائدة المعنى عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال، قال الحسن، يَعني هلال رمضان، فقال أتشهد أن لا إله إلاّ الله، قال نعم قال أتشهد أن محمدًا رسول الله قال نعم، قال يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا».
قلت: وهذا يدل على مثل ما دل عليه خبر ابن عمر، وفيه حجة لمن أجرى الأمر في رؤية هلال شهر رمضان مجرى الإخبار ولم يحملها على أحكام الشهادات وفيه أيضًا حجة لمن رأى أن الأصل في المسلمين العدالة، وذلك أنه لم يطلب أن يعلم من الأعرابي غير الإسلام فقط ولم يبحث بعد عن عدالته وصدق لهجته.

.ومن باب السحور:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا ابن المبارك عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه، عَن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر».
قلت: معنى هذا الكلام الحث على التسحر وفيه الإعلام بأن هذا الدين يسر لا عسر فيه. وكان أهل الكتاب إذا ناموا بعد الإفطار لم يحل لهم معاودة الأكل والشرب وعلى مثل ذلك كان الأمر في أول الإسلام ثم نسخ الله عز وجل ذلك ورخص في الطعام والشراب إلى وقت الفجر بقوله: {كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187].
قال أبو داود: حدثنا عمرو بن محمد الناقد حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا معاوية بن صالح عن يوسف بن سيف عن الحارث بن زياد، عَن أبي رُهم عن العرباض بن سارية قال: «دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان فقال هلم إلى الغداء المبارك».
قلت: إنما سماه غداء لأن الصائم يتقوى به على صيام النهار فكأنه قد تغدى والعرب تقول غدا فلان لحاجته إذا بكر فيها وذلك من لدن وقت السحر إلى طلوع الشمس قال:
أمن آل نُعم أنت غادٍ فمبكر

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عبد الله بن سوادة القشيري عن أبيه قال: سمعت سمرة بن جندب يخطب وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق الذي هكذا حتى يستطير».
قوله: «يستطير» معناه يعترض في الأفق وينشر ضوءه هناك قال الشاعر:
لهان على سراة بني لؤي ** حريق بالبُويرة مستطير

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن النعمان حدثني قيس بن طلق عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا ولا يَهِيدنكم الساطع المصعد فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر».
قوله: «لا يهيدنكم» معناه لا يمنعنكم الأكل وأصل الهيد الزجر، يقال هدت الرجل أهيده هيدًا إذا زجرته، ويقال في زجر الدواب يريد هِيْد هِيْد والساطع المرتفع وسطوعها ارتفاعها مصعدًا قبل أن يعترض. ومعنى الأحمر هاهنا أن يستبطن البياض المعترض أوائل حمرة وذلك أن البياض إذا تتام طلوعه ظهرت أوائل الحمرة والعرب تشبه الصبح بالبلَق في الخيل لما فيه من بياض وحمرة، وقد جعله عمر بن أبي ربيعة شقرة فقال:
فلما تقضى الليل إلاّ أقله ** وكادت توالي نجمه تتغوّر

فما راعني إلاّ مناد تحملوا ** وقد لاح معروف من الصبح أشقر

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا حصين بن نمير قال: وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس المعنى عن حصين عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال: «لما نزلت هذه الآية: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: 187] قال أخذت عقالا أبيض وعقالا أسود ووضعتهما تحت وسادتي فنظرت فلم أتبين فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال إن وسادك إذًا لعريض طويل إنما هو الليل والنهار».
وقال عثمان إنما هو سواد الليل وبياض النهار. قوله: «إن وسادك إذًا لعريض» فيه قولان أحدهما يريد أن نومك إذًا لكثير وكنى بالوساد عن النوم إذا كان النائم يتوسده أو يكون أراد أن ليلك إذا لطويل إذا كنت لا تمسك عن الأكل والشرب حتى يتبين لك سواد العقال من بياضه.
والقول الآخر أنه كنى بالوساد عن الموضع الذي يضعه من رأسه وعنقه على الوساد إذا نام والعرب تقول فلان عريض القفا إذا كانت فيه غباوة وغفلة.
وقد روي في هذا الحديث من طريق آخر أنه قال إنك عريض القفا والعرب تسمي بياض الصبح أول ما يبدو خيطًا قال النابغة:
فلما تبدت لنا سَدْفة ** ولاح من الصبح خيط أنارا

.ومن باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده:

قال أبو داود: حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا حماد عن محمد بن عمرو، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه».
قلت: هذا على قوله: «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» أو يكون معناه أن يسمع الأذان وهو يشك في الصبح مثل أن تكون السماء متغمة فلا يقع له العلم بأذانه أن الفجر قد طلع لعلمه أن دلائل الفجر معه معدومة ولو ظهرت للمؤذن لظهرت له أيضًا، فأما إذا علم انفجار الصبح فلا حاجة به إلى أذان الصارخ لأنه مأمور بأن يمسك عن الطعام والشراب إذا تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

.ومن باب وقت فطر الصائم:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع قال: وحدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود المعنى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عاصم بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء الليل من هاهنا وذهب النهار من هاهنا. قال مسدد: وغابت الشمس فقد أفطر الصائم».
قوله: «فقد أفطر الصائم» معناه أنه قد صار في حكم المفطر وإن لم يأكل وقيل معناه أنه قد دخل في وقت الفطر وحان له أن يفطر كما قيل أصبح الرجل إذا دخل في وقت الصبح وأمسى وأظهر كذلك. وفيه دليل على بطلان الوصال.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا سليمان الشيباني قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: «سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال يا بلال انزل فاجدح لنا فقال يا رسول الله لو أمسيت قال انزل فاجدح لنا قال يا رسول الله إن عليك نهارًا. قال انزل فاجدح لنا فجدح فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم وأشار بأصبعه قبل المشرق».
قوله: «اجدح لنا» الجدح أن يخاض السويق بالماء ويحرك حتى يستوي وكذلك اللبن ونحوه. والمجدح العود المجنح الرأس الذي يخاض به الأشربة ليرق ويستوي.

.ومن باب الوصال:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال قالوا فإنك تواصل قال إني لست كهيئتكم أني أطعم وأسقى».
قلت: الوصال من خصائص ما أبيح لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محظور على أمته ويشبه أن يكون المعنى في ذلك ما يتخوف على الصائم من الضعف وسقوط القوة فيعجزوا عن الصيام المفروض وعن سائر الطاعات أو يملوها إذا نالتهم المشقة فيكون سببا لترك الفريضة.
قوله: «إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى» يحتمل معنيين أحدهما أني أعان على الصيام وأقوى عليه فيكون ذلك بمنزلة الطعام والشراب لكم. ويحتمل أن يكون قد يؤتى على الحقيقة بطعام وشراب يطعمهما فيكون ذلك خصيصا كرامة لا يشركه فيها أحد من أصحابه والله أعلم.

.ومن باب الغيبة للصائم:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك، عَن أبي الزناد عن الأعرج، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم».
قوله: «لا يرفث» يريد لا يفحش والرفث الخنا والفحش. وقوله: «فليقل إني صائم» يتأول على وجهين أحدهما فليقل ذلك لصاحبه نطقا باللسان يرده بذلك عن نفسه. والوجه الآخر أن يقول ذلك في نفسه أي ليعلم أنه صائم فلا يخوض معه ولا يكافئه على شتمه لئلا يفسد صومه ولا يحبط أجر عمله.

.ومن باب الاستنشاق للصائم:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه لقيط بن صبرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائمًا».
فيه من الفقه أن وصول الماء إلى موضع الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله وعلى قياس ذلك كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة وغيرها سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو في غيره من حشو جوفه، وقد يستدل بذلك من يوجب الاستنشاق في الطهارة قالوا ولولا وجوبه لكان يطرحه عن الصائم أصلا احتياطًا على صومه فلما لم يفعل ذلك دل على أنه واجب لا يجوز تركه وإلى هذا ذهب إسحاق بن راهويه.